الأحد، 25 مارس 2012

الفتى المتعبد و الجارية



كان بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبد و الإجتهاد , فنزل في جوار قوم من النخع , فنظر إلى جارية منهن جميلة فهويها , و هام بها عقله , و نزل بالجارية ما نزل به , فأرسل يخطبها من أبيها , فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها , فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الجارية : قد بلغني شدة محبتك لي و قد اشتد بلائي بك , فإن شئت زرتك , و إن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى منزلي , فقال للرسول : و لا واحدة من هاتين الخلتين , " إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم " , أخاف نارا لا يخبو سعيرها , و لا يخمد لهيبها فلما أبلغها الرسول قوله قالت : و أراه مع هذا يخاف الله ؟ و الله ما أحد أحق بهذا من أحد , و إن العباد فيه لمشتركون , ثم انخلعت من الدنيا و ألقت علائقها خلف ظهرها و جعلت تتعبد , و هي مع ذلك تذوب و تنحل حبا للفتى و شوقا إليه حتى ماتت من ذلك , فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده و يدعو لها , فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في منامه في أحسن منظر , فقال: كيف أنت و ما لقيت بعدي ؟

قالت :

نعم المحبة يا سؤلي محبتكم

حب يقود إلى خير و إحسان

فقال : على ذلك إلام صرت ؟ فقالت :

إلى نعيم و عيش لا زوال له

في جنة الخلد ملك ليس بالفاني

فقال لها : اذكريني هناك فإني لست أنساك , فقالت : و لا أنا و الله أنساك , و لقد سألت مولاي و مولاك أن يجمع بيننا فأعني على ذلك بالإجتهاد , فقال لها : متى أراك ؟ فقالت : ستأتينا عن قريب فترانا , فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات , رحمه الله ...

ابن القيم الجوزية

هناك تعليقان (2):

و لمن خاف مقام ربه جنتان يقول...

يا ربنا أنت الكريم المرتجى فاجعل لنا من كل هم مخرجا

و لمن خاف مقام ربه جنتان يقول...

ما مضى من عمرنا تصلحه بالتوبة .. وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية..

فاللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفوا عنا